زيد بن الخطاب


كثيرون هم أولئك الذين يعرفون عمر بن الخطاب ،أمير المؤمنين ويسمعون عن شجاعته ونزاهته وعدالته


ولكن القلة القليلة هى التى تعلم أنه كان لعمر شقيق تمنى عمر نفسه ان يتشبه ببطولته النادرة ،


وإخلاصه - الذى لا مثيل له -لدينه وعقيدته .


فمن ياترى هذا الذى تمنى عمر بن الخطاب أن يشبهه ؟!


إنه زيد بن الخطاب الشقيق الأكبر لعمر:


نشأ زيد مع أخيه أحسن ما تكون النشأة ،فقد كان الخطاب أبوهما من سادة القوم ،


وكان البيت الذى يعيشان فيه بيت كرم وعز .


ولعل فترة الطفولة التى عاشها زيد وعمر قد أثرت فى شخصية كل منهما


وجعلت بينهما تفاوتا واختلافا فى الجانب النفسى


أما زيد :


فقد كان مقربا من قلب أبيه يعامله ببعض اللين والرفق،


ويحنو عليه بعض الشئ،فربى ذلك عنده عامل الثقة ،وهدوء الطبع ،


وقلة الثورة واستعمال الأناة ،وإظهار البشاشة .


وأما عمر! فقد كان لشدة شقاوته حال الطفولة يضرب ويعاقب ،


فجعلت منه هذه المعاملة الأبوية ثائرا شديدا مندفعا .


وسارت الحياة بالأخوين كما تسير بكل من يحيا فى جزيرة العرب ،


فروسية ولهو ، وخمر و طرب ، خضوع للأوثان وتقرب إليها.

وظلت الحياة هكذا إلى أن هتفت السماء بمحمد بن عبد الله فى صوت سفير الملائكة جبريل


عليه السلام


وفى دعوة الحق التى جاء بها محمد رسول الله ثار جدل عنيف بين أهل مكة شبابا


ورجالا ونساء بين مصدق بها ومكذب لها ، فأسرعت إليها أقوام ، وانطوى تحت


لوائها ملأ وعاداها ملأ .



وكان من بين من صدق بها ووجد فى نفسه قبولا لها منذ البداية


زيد بن الخطاب الذى هب مسرعا لمبايعة الرسول المعظم ،


وشهد أمامه شهادة الحق .


وبذلك يكون زيد بن الخطاب أسبق من عمر فى الدخول إلى الإسلام .


وبدأ زيد جهاده المقدس، يذود عن حمى الإسلام ويحمى عرينه ،


ويدفع كل من يحاول إيذاء رسول الله من أهل مكة .


وحينما طغى المكيون وزادوا من حملتهم ضد الرسول وأصحابه ،


أذن لهم بالهجرة إلى المدينة ، فكان زيد بن الخطاب من بين المهاجرين.


ووقف الرسول المعظم يقول : يا فلان من المهاجرين أخوك فلان من الأنصار .


ونظر – صلى الله عليه وسلم – إلى زيد بن الخطاب المكى ، وإلى معن بن عدى


بن عجلان الأنصارى وكأنه وجد بينهما تقاربا فى الهدوء وتشابها فى الطباع



فآخى بينهما . ومن يومها كان زيد نعم الصديق لمعن ، وكان معن نعم الوفى لزيد .


وسارت عجلة الحياة بالناس إلى أن جاء يوم بدر يدعو المؤمنين لملاقاة المشركين


فسارع زيد بتلبية الدعوة ،مقاتلا فى صفوف الحق ضد الباطل وأهله .


وتنتهى المعركة ، وشكر العائدون لزيد حسن صنيعه فى ساحة المعركة ، واستماتته


فى الذودعن دينه وعقيدته .


وجاءت غزوة أحد، وجرى فيها ما جرى ، فكان زيد بن الخطاب من الثابتين مع رسول الله –صلى اله عليه وسلم – يضرب ذات اليمين وذات الشمال حتى عادت الأمور إلى نصابها ، وقد أجمع كتاب السير على أن زيدا كان فى غزوة أحد بطلا مغوارا يضرب به المثل فى الشجاعة والثبات ، فقد ظل يقاتل فى استبسال شديد


لا هم له ولا هدف سوى الدفاع عن رسول الله الذى أشيع أنه قتل .


مضت الأيام بمدها وجزرها ، وكلما جاءت غزوة لبى زيد النداء


وسارع مع المسارعين إلى مجاهدة الأعداء حتى قال عنه ابن عبد البر :


شهد زيد بن الخطاب المشاهد كلها مع رسول الله .


وفى وقت محتوم نعت المدينة رسول الله ، وبكته أشد ما يكون من البكاء


وزرفت الدموع بغزارة من عين زيد و أجهشه البكاء ، وحق له أن يبكى ويجهش ،


فقد غاب الجسد الطاهر ، ورحل القلب النقى الذى طالما تمنى الهداية لقوم أذاقوه


الأمرين وهو راض صابر متماسك .


ولم يخفف من ألم المأساة سوى خطبة أبى بكر الصديق ، والتى تلا فيها قول الله :


{ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم


ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين } آل عمران ::144


وهنا قال زيد بن الخطاب :


,, حقا .. حقا ،لقد مات رسول الله ولن تموت رسالته ، بل ستبقى إلى أن يرث الله


الأرض ومن عليها ، فلابد من مواصلة المسيرة حتى نلقى رسول الله ,,


وتحت قيادة أبى بكر واصلت الأمة مسيرتها ، وبدأت التحديات تظهر على الساحة .


فهؤلاء جماعة قد ارتدوا عن الإسلام ، وهؤلاء آخرون قد امتنعوا عن دفع الزكاة وها هو مسيلمة الكذاب يجمع الناس حوله زاعما أنه رسول من عند الله ، وها هم الناس يلتفون حوله فى اليمامة .


وأدرك أبو بكر أن الخطر يأتى من قبل مسيلمة الكذاب لكثرة الملتفين حوله.


واقترح الرحال بن عنفوة أن يكون مبعوث الصديق إلى أهل اليمامة يثبتهم


على الإيمان ويعيدهم إلى حظيرة الإسلام .


وذهب الرحال بن عنفوة إلى اليمامة ، ولكنه لم يفعل ما عاهد عليه الخليفة ،


بل انبهر بكثرة أنصار مسيلمة وظن أنهم غالبون بوفرة العدد فترك الإسلام


وانضم إلى صفوف الكذاب .


وعلم أبو بكر بالخبر .. فأشار على الصحابة بقمع حركة المرتدين ،فوافق الجميع

خرج الناس ، وخرج معهم زيد بن الخطاب ، فى معركة يقودهاخالد بن الوليد

بأمر من أبى بكر الصديق .


وعلم زيد بن الخطاب الذى كان يصول ويجول داخل المعركة أن الحال بن عنفوة


هو أصل الداء ، فكان زيد يتحرق شوقا للقائه .


ودفع خالد بن الوليداللواء إلى زيد ، ومالت المعركة على المسلمين ...


وسقط شهداء وشهداء.


حينئذا اعتلى زيد ربوة عالية وصاح فى المسلمين :


أيها الناس عُضوا على أضراسكم ، واضربوا عدوكم ، وامضوا قُدما ، والله


لاأتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقاه بحجتى .


ونزل زيد من فوق الربوة وهو يقول : "اللهم إنى أبرأُ إليك مما جاء به


مسيلمة والحكم بن الطفيل ..


وحمل العلم خفاقا وهو يتقدم فى سرعة نحو العدو ، يضرب يمينا وشمالا


بسيفه ، وعينيه تبحث فى كل مكان عن الرحال بن عنفوة حتى أبصره ، وأخذ زيد يتتبعه حتى وقف أمامه وهو يقول له:


"والله لأتقربن إلى الله برأسك" ثم ضربه ضربة باعدت بين العنق والجسد


وتحققت أمنية زيد بن الخطاب.


وتمنى زيد الشهادة فسأل الله إياها ، فراح يقتل من المشركين العدد الجم


وبينما هو كذلك إذ جاءه سهم من الخلف جعله يخر عن جواده شهيدا .


ومن محاسن القدر أن يراه معن بن عدى الأنصارى الذى آخى الرسول العظيم


بينه وبين زيد.. يرى صديقه يقتل ، فصاح طالبا من المسلمين الثبات ، وما هى إلاهُنيهةحتى وقع معن بجوار صديق الإيمان شهيدا فنام مع صديقه نومتهما الأبدية واجتمعا مع بعضيهما البعض فى الدنيا والآخرة.


جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري، أطرق الرسول لحظات، ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:

" ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..


وظل الخوف بل الرعب من الفتنة في الدين، يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه اليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير، وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال بن عنفوة.



ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن، وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب، وشهد له بالنبوّة.

هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..

والرّجّال بن عنفوة هذا، ذهب ذات يوم الى الرسول مبايعا ومسلما، ولما تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه.. ولم يرجع الى المدينة الا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسملين.. ونقل الى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة، واقترح على الصدّيق أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم على الاسلام، فأذن له الخليفة..

وتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون، فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية، فترك الاسلام، وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.



وكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.

ذلك، لأنه استغلّ اسلامه السابق، والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول، وحفظه لآيات كثيرة من القرآن، وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.

لقد سار بين الناس يقول لهم: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده، هو مسيلمة..!!

ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالاسلام وبالرسول.

وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة، فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا، والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.

وكان أكثر المسلمين تغيّظا، وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!

زيد بن الخطّاب..؟

لا بد أنكم عرفتموه..

انه أخو عمر بن الخطّاب..

أجل أخوه الأكبر، والأسبق..

جاء الحياة قبل عمر، فكان أكبر منه سنا..

وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله..

وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.

وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا، ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.

وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر، بقدر ما يبحث عن الشهادة..!

يوم أحد، حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..

وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب، وقد سقط درعه عنه، وأصبح أدنى منالا للأعداء، فصاح به عمر.

" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..

فأجابه زيد:

" اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!

وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة، واستبسال عظيم.




**




قلنا انه رضي الله عنه، كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد، لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا، وصوليا.

لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة، ونفاق بغيض هزيل.

وزيد في بغضه النفاق والكذب، كأخيه عمر تماما..!

كلاهما لا يثير اشمئزازه، ولا يستجيش بغضاءه، مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة، والأغراض الدنيئة.

ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة، لعب الرّجّال دوره الآثم، فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا، وهو بهذا يقدّم بيديه الى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..

أضلّها أولا، وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه، وزخرفها له هواه، ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة، لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر من خطرا، وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.




**




وبدأ يوم اليمامة مكفهرّا شاحبا.

وجمع خالد بن الوليد جيش الاسلام، ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى من..؟؟

الى زيد بن الخطّاب.

وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..

ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين، وسقط منهم شهداء كثيرون.

ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين، فعلا ربوة هناك، وصاح في اخوانه:

" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوّكم، وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله، أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!

ونزل من فوق الربوة، عاضّا على أضراسه، زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.

وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال، فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم، باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..



وهناك راح يأتيه من يمين، ومن شمال، وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه، غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج الى السطح من جديد، فيقترب منه زيد ويبسط اليه سيفه، ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى، فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..

وأخيرا يمسك بخناقه، ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا، وكذبا، وخسّة..

وبسقوط الأكذوبة، أخذ عالمها كله يتساقط، فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..

لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم، وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة، والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!

وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. اذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..

وغدا سيسقط المحكم، وبعد غد مسيلمة..!!

هكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا الدمار في صفوف مسيلمة..

أما المسلمون، فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال، ونهض جريحهم من جديد، حاملا سيفه، وغير عابئ بجراحه..

حتى الذين كانوا على شفا الموت، لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب، مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل، فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها الى الحياة ليقاتلوا، وليشهدوا النصر في روعة ختامه..

ولكن أنّى لهم هذا، وقد تفتحت أبواب الجنّة لاستقبالهم وانهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!




**




رفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربّه، شاكرا نعمته..

ثم عاد الى سيفه والى صمته، فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..

ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..



هنالك وقد رأى زيد رياح النصر مقبلة، لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام، فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..

وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا، ومآقيه دموعا،وعزمه اصرارا..

وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..

وسقط البطل شهيدا..

بل قولوا: صعد شهيدا..

صعد عظيما، ممجّدا، سعيدا..

وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا..

وبينما كان عمر، يستقبل مع الخليفة أبي بكرو أولئك العائدين الظافرين، راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..

وكان زيد طويل بائن الطول، ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..

ولكن قبل أن يجهد بصره، اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..

وقال عمر:

" رحم الله زيدا..

سبقني الى الحسنيين..

أسلم قبلي..

واستشهد قبلي".




**




وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم، فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..

ودائما كان يقول:

" ما هبّت الصبا، الا وجدت منها ريح زيد".

أجل..

ان الصبا لتحمل ريح زيد، وعبير شمائله المتفوقة..

ولكن، اذا اذن أمير المؤمنين، أضفت لعبارته الجليلة هذه، كلمات تكتمل معها جوانب الاطار.

تلك هي:

" .. وما هبّت رياح النصر على الاسلام منذ يوم اليمامة الا وجد الاسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"


تلك هى حكاية زيد بن الخطاب الذى تمنى عمر أن يكون مثله ،


وجدير بالذكر ان نتحدث عن اخته واخت عمر بن الخطاب رضى الله عنهم اجمعين

فاطمة بنت الخطاب

اسمها ونسبها ( رضي الله عنها ):
هي فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشية العدوية، ولقبها أميمة، وكنيتها جميل. وأمها حنتمة بنت هاشم بن المغيرة القرشية المخزومية.


وهي أخت أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)، وزوجة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وقيل إنها ولدت لسعيد بن زيد ابنه عبد الرحمن.

صفاتها( رضي الله عنها ):
فاطمة بنت الخطاب(رضي الله عنها) صحابية جليلة، اتسمت بعدد من المزايا؛ منها أنها كانت شديدة الإيمان بالله تعالى وشديدة الاعتزاز بالإسلام، طاهرة القلب، راجحة العقل، نقية الفطــرة، من السابقات إلى الإسلام، أسلمت قديماً مع زوجها قبل إسلام أخيهـا عمـر( رضي الله عنه)، وكانت سبباً في إسلامه. كما أنها بايعت الرسول- صلى الله عليه وسلم- فكانت من المبايعات الأول.

دور فاطمة في قصة إسلام أخيها عمر ( رضي الله عنهما ):
عرف عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعداوته تجاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل إسلامه، فقد خرج عمر (رضي الله عنه) في يوم من الأيام قبل إسلامه متوشحاً سيفه عازماً على قتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم)، فلقيه نعيم بن عبد الله، ورأى ما هو عليه من حال فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمداً. قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدا ً؟ فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه. قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وختنك قد أسلما، وتركا دينك الذي أنت عليه.” فلما سمع عمر ذلك غضب أشد الغضب، واتجه مسرعاً إلى بيت أخته فاطمة(رضي الله عنها)، فعندما دنا من بيتها سمع همهمة، فقد كان خباب يقرأ على فاطمة وزوجها سعيد (رضي الله عنهما) سورة طـه، فلما سمعوا صوت عمر (رضي الله عنه)، أخفت فاطمة (رضي الله عنها) الصحيفة، وتوارى خباب في البيت، فدخل وسألها عن تلك الهمهمة، فأخبرته أنه حديث دار بينهم. فقال عمر- رضي الله عنه: فلعلكما قد صبوتما، وتابعتما محمداً على دينه! فقال له صهره سعيد: يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك،عندها لم يتمالك عمر نفسه، فوثب على سعيد فوطئه، ثم أتت فاطمة مسرعة محاولة الذود عن زوجها، ولكن عمر (رضي الله عنه) ضربها بيده ضربة أسالت الدم من وجهها، بعدها قالت فاطمة (رضي الله عنه): يا عمر إن الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فعندما رأى عمر ما قد فعله بأخته ندم وأسف على ذلك، وطلب منها أن تعطيه تلك الصحيفة، فقالت له فاطمة (رضي الله عنها) وقد طمعت في أن يسلم: إنك رجل نجس ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام مفعل ثم أخذ الكتاب فقرأ فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿ طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيل ممن خلق الأرض والسموات العلى. الرحمن على العرش استوى...﴾ فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! ...، دلوني على محمد. فلما سمع خباب خرج من مخبئه مسرعا إلى عمر وبشره وتمنى أن تكون فيه دعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هاشم 8 .
وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم - حينها في دار الأرقم، فخرج عمر (رضي الله عنه) متجهاَ إلى تلك الدار، وقد كان متوشحاً سيفه، فضرب الباب، فقام أحد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ونظر من الباب فرأى عمر وما هو عليه، ففزع الصحابي ورجع مسرعاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبره بما رأى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب ( رضي الله عنه): فأذن له فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه. فأذن له ونهض إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى لقيه بالحجرة فأخذ مجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة. فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، فلما سمع الرسول الكريم ذلك كبر تكبيرة عرف أهل البيت من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن عمر قد أسلم.

لقد كان ذلك الموقف أحد أروع المواقف الإسلامية في تاريخ الحياة الإسلامية، وفيه يعود الفضل لفاطمة بنت الخطاب (رضي الله عنها) وثباتها على دينها، ودعوتها الصادقة لأخيها، الذي كانت البلاد بأجمعها تخاف من بطشه في جاهليته، ولكنها لم تخشاه قط، بل أصرت على موقفها، وكانت سبباً في إسلامه (رضي الله عنه)، وبذلك تحققت فيه دعوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم).

رواية فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها للحديث :
روى الواقدي عن فاطمة بنت مسلم الأشجعية، عن فاطمة الخزاعية، عن فاطمة بنت الخطاب- أنها سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال أمتي بخير ما لم يظهر فيهم حب الدنيا في علماء فساق، وقراء جهال، وجبابرة؛ فإذا ظهرت خشيت أن يعمهم الله بعقاب
وبمراجعة الحديث الشريف السابق نجد فيه إشارة إلى خطورة العلماء في المجتمع، وما يمكن أن يصنعوه من خير وتقدم إن كانوا صالحين أتقياء، وما يجلبونه من شر وويل على الأمة إن كانوا فاسقين عصاه، تعلقت قلوبهم بحب الدنيا ومتاعها؛ ذلك لأنهم يشكلون نخبة المجتمع وصفوته، وبصلاحهم يصلح المجتمع، وبفسادهم يفسد المجتمع.

لم تكن تلك السطور السابقة سوى ومضات سريعة من مواقف في حياة إحدى عظيمات نساء العالم، فاطمة بنت الخطاب (رضي الله عنها)، تلك الشخصية التي سمت وبرزت في عالم الإسلام والإيمان في أبهى صورة المرأة الداعية، فكانت مثالاً وقدوة يحتذى بها في التضحية للدعوة إلى الإسلام. فهي شخصية اتصفت بصبرها واحتسابها إلى ربها (عز وجل)، فقد تحملت الكثير من أجل إسلامها، ولم تخف يوماً من أخيها عمر بن الخطاب، حينما كان في جاهليته، في حين كانت مكة بأسرها تخاف من بطشه.

وأهم النتائج التي توصلت إليها في شخصية فاطمة بنت الخطاب (رضي الله عنها):
* أن لا يخاف المسلم في الله لومة لائم، ويتضح ذلك في موقف فاطمة (رضي الله عنه) عندما أسلمت على الرغم من معرفتها ببطش أخيها وجبروته، فلم تخش سوى ربها ( عز وجل)، وسعت لمرضاته.
*سعي فاطمة (رضي الله عنها) لهداية أخيها عمر بن الخطاب للإسلام، حيث كان لها الدور البارز في إسلامه (رضي الله عنه)، فقد ارتبطت قصة إسلامه المشهورة بفاطمة بنت الخطاب.