فلنحول الخروج الأفريقي من نقمة لنعمة : لا للكونفيدرالية ولنمنح هؤلاء "البشر" راحة على غرار الماكينات

رب ضارة نافعة...ليست هذه الحكمة كلمة تعزية لأنفسنا ان هناك فائدة أكثر من الخروج من بطولة أفريقيا مبكراً هذا العام. بداية، يجب ان ننظر كجمهور أهلاوي بعيداً عن حبنا الشديد و انتمائنا للقلعة الحمراء و دفاعنا المستميت عنها في مائة و عامين من تاريخ النادي.
و لتكن الفكرة موضوعية، يجب ان يسأل كل مشجع نفسه عمن يستطيع ان يتحمل ما تحمله لاعبو الفريق في خلال الأعوام الخمسة الماضية. فإذا كنت موظف، أو تلميذ أو تجاوزت سن التقاعد، ما هي المدة التي استمر فيها أي منا في أداء وظيفته أو دراسته بدون يوم كامل من الراحة أسبوعياً (على الأقل) ؟ من مننا يستطيع الإستمرار بدون راحة لا أسبوعية ولا شهرية و لا سنوية لمدة خمسة أعوام؟ و إذا فرض و أخذت راحة، يتحتم عليك الإشتراك في عمل آخر بدافع وطني، مما يجعلك تلهث وراء استحقاق تلو الآخر...و لنكمل الصورة بشكلها الصحيح، يتحتم عليك مع كل هذه الضغوط، أن تنال المركز الأول.
إذا رأيت في نفسك القدرة على فعل هذا لمدة طويلة، فأنت أكيد من طراز نادر، من طراز لاعبي الأهلي طوال السنوات الخمسة الماضية. السبب الرئيسي فيما يحدث هو الضغط المستمر و الأهداف التي يضعها الأهلي في كل بطولة يدخلها. فعندما يأخذ لاعبو الدوري المصري راحتهم، يتحتم على نجومنا حزم امتعتهم للسفر الأفريقي الطويل و المرهق و الممل، و عند عودتهم، عليهم إكمال الدوري، و عند الراحة الدورية للدوري، يجب على لاعبي الأهلي أن يتركوا عائلاتهم و أسرتهم، لمعسكر المنتخب الذي يعتمد فقط عليهم لتحقيق بطولاته، بغض النظر إذا كانوا مرهقين، أو مصابين أو غير جاهزين.و بعد العودة من المنتخب، يجد اللاعبون أنفسهم أمام بطولات المباراة الواحدة كالسوبر المحلي و الأفريقي، و عندما ينتهي هذا، عليهم السفر لبطولة العالم.
أصبح اللاعبون كمن يدور في حلقة لا تنتهي، و مهما بلغت قوتهم و طاقتهم سيأتي يوماً لتنتابهم الدوخة، و الإرهاق، و لا يعلم من أين يبدأوا لينتهوا. و النادر إنجازه، أن ينجح فريق يواجه كل هذه المصاعب بالفوز بـ16 بطولة، و بطولتين لكأس الأمم الذي حمل لوائها لاعبو الأهلي، و هي عبارة عن 40 يوماً مستمرة من المباريات الصعبة، و قبلها معسكر الإعداد. و بمجرد العودة، تكون المباراة التالية في الدوري بعد أيام معدودة.
عندما يبحث الأهلي عن لاعب مناسب، لا تكون المهارات الفردية و الجانب التكتيكي و البدني هما فقط العامل المؤثر في اللاعب. بل أهم منهم، القدرة على تحمل الضغط، و قد يكون اللاعب رائعاً لكنه قد يفشل في الأهلي عندما يرى كمية الضغط من كل جهة. و يحاول الأهلي دائماً إعطاء الفرصة تلو الأخرى للاعبين كثيرين، لا ينجح معظمهم في الإستمرار و من يستمر يكون كوائل جمعة و أبو تريكة و بركات. مواهب رائعة و كبيرة، أعطت كل شيء لفريقها و بلدها وجمهورها.
و لإكمال الصورة في أعين الجماهير، تخيل مع هذا الضغط النفسي و البدني كله، عليك مواجهة إعلام عدواني جاهل إستفزازي يواجهك بكل الأسلحة المتاحة من أجل مصلحته في بيع مساحات إعلانية لتحقيق أرباحه، و عندما تنتهي مهمته في تحطيم الرمز، يتحول لأي رمز آخر لتحطيمه، و هكذا حتى نجد أنفسنا مفلسين من الرموز و يكون الإعلام هو المستفيد الوحيد.
هذه نبذة من حياة لاعبي الأهلي طوال هذه الخمسة أعوام، و سنكون جاحدين إذا لم نقل أن جوزيه يشاركهم نفس المشكلة، لنجد أنفسنا أمام فريق أصبح محمّل بكمية ضغوط تجعله فاقد التركيز تماماً، و فاقد القدرة على بذل الجهد الإضافي لتحقيق الفارق الذي طالما حققه الأهلي لكي يفوز.نحن أمام فريق، يحاول إدخار الطاقة المتبقية قدر الإمكان قبل التوقف التالي و الذي يحتاج طاقة مضاعفة، لا يعلم أي منا أين يمكننا ان نجدها.
الخروج من أفريقيا، هو أفضل ما حدث للأهلي هذا العام، و مع كامل الإحترام لبطولة الإتحاد الأفريقي، على إدارة الأهلي ان تجد طريقة للخروج منها بشرف، سواء بالإعتذار ، أو بإرسال الفريق الرديف و عدم وضع أي جهد للفوز بها، فنحن بحاجة إلى راحة طويلة هذا الموسم.
لسنا بحاجة أن نعود بعد انتهاء الدوري للإستعداد لدوري المجموعات الأفريقي، بالموازاة مع كأس القارات، مضافاً اليها استعدادات المنتخب لتصفيات كأس العالم. علينا ان نبدأ بهدوء الإستعداد و التفكير في الأعوام الماضية و التالية، فما فعله الأهلي في هذه السنوات الرائعة، هو أكثر من إنجاز، هو معجزة بكل معنى الكلمة. و ليجد المشكك في كلامنا أي فريقاً عالمياً نجح في أي مما نجح فيه الأهلي ضمن إمكانياته المادية و الفنية. و هذا ما يجعلنا فخورين باللاعبين و أن نصفق لهم على كل شيء، على الأوقات الرائعة التي قضيناها و نحن نشاهدهم يفوزون و نفتخر بهم في كل مكان حتى أصبح العالم كله يعرف الأهلي.
علينا ألا نكون جاحدين في حق مانويل جوزيه، و أن نقول انه أعطى كل شيء للفريق و يجب عليه الرحيل الآن، فكيف سيكون وضع أي مدرب آخر يأتي الى الأهلي وسط فريق "قاطع للنفس" ؟ لن يستطيع تنفيذ أي فكر، و سيطالب ببساطة في ترحيل أكثر من نصف الفريق، و هو ما فعله توتنهام هوتسبيرز مع خواندي راموس و انتهى به الأمر بالطرد و فريقه كان ينافس على الهبوط.
علينا أن نعطي جوزيه الوقت ليتنفس، ليبتعد عن الإعلام الهدّام، عن الضغوط في غرفة الفندق الذي يسكنها منذ خمسة أعوام. علينا ان نعطيه الوقت لكي يعود و ان ينهي تعاقده مع الأهلي في 2010 بكل شرف و أن يرحل و هو بطل و رأسه مرتفع، لا ان يجد جمهور يقول له ارحل لا نريدك، و هو نفس الجمهور الذي كان يتغنى به امام جميع الفرق الأفريقية و العالمية و قبلهم المحلية. جوزيه يستحق ان يأخذ راحة طويلة هذا الموسم و ان يعود لكي ينهي رحلته مع الأهلي كما بدأها، بأداء و فوز و امتاع و ان يحضّر الفريق لخمسة أعوام قادمة، و ان يعيد تخطيط استراتيجيته مع اللاعبين، و من يستحق ان يبقى و من عليه ان يرحل، و كيفية اعطاء دماء جديدة الفرصة، و شباب قادر على ان يجد الطاقة غير المتواجدة حالياً.
عليه إيجاد المعادلة الصعبة، في التوازن بين نجومية أو تريكة و بركات و وائل جمعة و أحمد حسن و بين جيل شاب يتعلم منهم كيف يصبح بطلاً، و كيف يكون الإحترام المتبادل مع أفراد الفريق،و ان يعلم كيف هي الحياة كلاعباً للأهلي إذا كانت لديك القدرة على العطاء.
و عفواً، نتمنى ألا نسمع من أي فريق محلي أي نغمة نشاذ و أي نصائح فارغة. فمن يستطيع ان يفعل ما فعله الأهلي طوال هذه الأعوام، فالساحة متسعة للجميع، و لنرى ما لديكم. فالزمالك تاه بين أفريقيا و بين الإستحقاقات المحلية، و بين إدارة ناديه، ليسقط في جميعهم. و الإسماعيلي عندما أراد أن ينافس عربياً ضاعت منه النقاط في الدوري، و لم يستطع العودة سوى عندما خرج من كأس العرب.
و من يدعي ان الأهلي كان محظوظاً، فأتمنى أن تذكروا لنا أي فريق في العالم يفوز ببطولات مع لجان منظمة مختلفة و فرق مختلفة فقط عبر الحظ ؟ هل أصبح الأهلي ثالث العالم بالحظ ؟ و هل فاز بأربعة كئوس أبطال في 8 سنوات بالحظ ؟ و معهم أربعة سوبر و 4 دوري و غيرها بالحظ ؟ و لماذا لا يأتي الحظ لغيره من الفرق ؟ هل تعاقد الأهلي مع الحظ حصرياً عن غيره؟ هذا كلام الفاشلين في تحقيق أي انجاز ، فالحظ و التوفيق لا يأتيان سوى لمن يكدح و يتفانى في اداء ما يفعله.
و الى جمهورنا الحبيب...انتهى الموسم الأفريقي و لن نتواجد في كأس العالم في أبو ظبي، و قد نخسر الدوري أيضاً. هذا الواقع. لكن انظر خلفك و سترى تاريخاً تمت كتابته و شاركت فيه كفرد و مشجع للأهلي، تاريخاً لن يمحى بسهولة، و قد لا يمحى اطلاقاً، و قد يمحيه فريق ...أسمه الأهلي في المستقبل...فلا يفل الحديد سوى الحديد.
و ليس هناك أي سبب للإحباط او الهجوم بدون أي داعي على أي من أفراد الفريق، و لا نبدأ بنغمة أن هذا اللاعب كان يستحق الفرصة، و كان يجب أن يبدأ بفلان و لا يبدل فلان. فماذا نعلم عن هذا اللاعب و قدرته على تحمل الضغوط و استمرارية العطاء تحت وطأة الإستحقاقات. و لو كان هذا اللاعب هاماً لماذا لا يلعب للمنتخب ؟ و لماذا لم يحقق أي انجاز مع فريقه السابق؟ و إذا تم استبعاد لاعب لا يقتنع به آلاف الجماهير، سينتهي الأمر بفريق يحوي أربعة لاعبين لا غير و هم من يوافق عليهم الجمهور كله.
أعتقد أن الوقت متاح الآن لإعادة بناء الفريق بدون المرور بالأعوام العجاف التي يعاني منها جميع فرق العالم و منهم الميلان و اليوفنتوس و الريال مدريد الذي خسر بسداسية على أرضه من خصمه اللدود، كل هذه الفرق تمر بفترات اعادة بناء و قد تستمر لأعوام. و لكن نأمل أن ينجح إداريو الأهلي في أن يعدلوا في بعض النقاط و أن يكمل الفريق المسيرة لخمسة أعوام أخرى.
المهم الآن أن نكون خلف الفريق، و نكون قلبه النابض و طاقته المحركة، و روحه الخلاقة، فبدون جمهور الأهلي لا يوجد أهلي. و مهما تكن النتائج، يكفينا فخراً ما فعلناه كل هذه الأعوام و الأرقام تتحدث عن نفسها. لنكن موضعيين و هادئين في استقبال نتيجة الخروج من أفريقيا، و لنحاول التعويض محلياً و حتى إذا لم يحدث هذا، فسيبقى فريق الأهلي الحالي بمدربه و خلفهم إدارتهم سبب إسعادنا و فرحتنا و فخرنا لخمسة أعوام ...تستحق منا الصبر و التفاني في التشجيع حتى يعود الأهلي قاهر أفريقيا...و إرفع رأسك فأنت أهلاوي